وظّفك؟
وظّفك؟

وظّفك؟

ماذا يتبادر إلى ذهنك عند سماع عبارة: “نقعها وشراب ميتها”؟، مع الأسف قد تكون إجابة نسبة كبيرة من الأشخاص بأنها الشهادة الجامعية في السياق السوري الحالي، 

خيبة وصدمة كبيرة بعد سنوات الجامعة الطويلة والكثيفة والمكلفة ألا تستطيع الحصول على عمل في نفس اختصاصك أو مجالك أو حتى الحصول على عمل بناء على هذه الشهادة وهذا التعليم الأكاديمي، يعاني التعليم وسوق العمل في سورية من قطيعة بينهما وانفصال ليس من السهل أن يتم إصلاحه ومعالجته في هذه الظروف القاسية، التي وكما نعلم جميعاً أنها تشمل كافة قطاعات الحياة.

لكن ما هي الأسباب؟ ومن هُم الجهات والأطراف المسؤولة؟

دعونا ننظر في العمق أكثر لفهم المشكلة فلربما ما زال هناك بعض الأمل بأن نخرج الشهادة من منقوعها ونعيدها إلى مكانها الطبيعي في سوق العمل.

عند محاولة فهم مثل هذا النوع الكبير والمعقد من المشاكل لا بد من تحليله وتبسيطه لكي نمسك برأس خيط أي حل من الحلول المحتملة على أحد الأصعدة، لهذا مع أخذ خطوة للوراء، والنظر إلى الصورة بشكل شمولي وكامل وقبل الغوص بالتفاصيل، نجد بأن المعنيين بهذه المشكلة هم أربع أطراف ولاعبون رئيسيين وهم بشكل واضح:

1-الجهات التعليمية الأكاديمية وعلى وجه الخصوص الجامعات.

2-الجهات المُشغلة والشركات.

3-المنظمات والجهات التي تعمل في الشق التنموي.

4-الشباب الباحثين عن العمل.

1– بالنسبة للجهات التعليمية من معاهد وجامعات، فإنه عند النظر إلى الفراغ بين ما تقدمه هذه الجهات وما يحتاجه سوق العمل، نجد أنه متفاوت بين اختصاص وآخر وجامعة وأخرى، أي أنه في بعض الفروع الجامعية يكون نسبة ما تستطيع تطبيقه واستخدامه في سوق العمل يصل حتى 65% مما تم تقديمه في الجامعة، على سبيل المثال كلية الهندسة المعمارية يستطيع خريج هذا الفرع أن يباشر بالعمل بشكل جيد بعد التخرج مباشرةً، أما مثلاً في بعض كليات الهندسة الأخرى الأمر ليس كذلك، فليس من السهل البدء بالعمل بعد التخرج مباشرة لأن نسبة ما يمكن تطبيقه من نسبة ما تم تعلمه قد لا تتجاوز ال10%.

وهنا أعتقد بأن الموضوع مرتبط بعدة أمور، أهمها الممارسة (Practicing)، ففي غالب الأحيان يبقى التعلم في إطاره النظري، ولا يتم تطبيق أو ممارسة ما تم تعلمه، حتى عندما يحاول مدرس المقرر أن يدخل الشق التطبيقي في التعليم، فغالباً ما يمنعه تجهيز الكلية والمعدات والمختبرات والحواسيب من تنفيذ ذلك.

وهذه مشكلة كبيرة، فإن الشركات مثلاً لن تطلب من المتقدمين لوظائفها أن يجيدوا حل المسائل الورقية، إن هذا الموضع لا يعنيها، بل إنها غالباً سوف تسألك عن البرامج والمعدات التقنية التي تستطيع استخدامها في نفس المجال.

أيضاً الموضوع متعلق بنقطة مهمة جداً، وهي ليست مرتبطة بالتعليم الجامعي فقط، بل ربما هي مرتبطة بكل المنظومة التعليمية منذ المراحل الأولى للتعليم، وهي المهارات والإمكانات (skills and abilities)، حيث أننا على مدار سنوات نحصل فقط على المعلومات والمعارف (knowledge) ويتم تكديس المزيد والمزيد من المعلومات، وهي شيء مهم ولكن بشكل قطعي هي غير كافية بمفردها، فإن متطلبات أي وظيفة لا تقف عند كم المعارف التي يمتلكها الشخص، والعديد من الأنظمة التعليمية حول العالم باتت اليوم تقدم كم متواضع من المعارف بينما تركز بشكل كبير على المهارات والأمور التطبيقية والعملية.

أتذكر الآن ما قاله لنا أحد المدرسين في كليتنا ذات يوم، بأنه يفضل توظيف خريج بمعدل عادي نسبياً ويجيد التعامل مع العملاء والمتعهدين بالورشات ويمتلك مهارات حياتية وشخصية، على أن يقوم بتوظيف الأوائل من الخريجين والذين لا يجيدون شيء سوى الدراسة في المكاتب وتقديم الامتحانات وتحصيل العلامات العالية.

وفيما يخص عدد المقاعد الجامعية التي يتم فتحها كل عام في كل اختصاص وما يحتاجه حقيقةً سوق العمل من الخريجين، فإن الأرقام هنا لوحدها كفيلة بمعرفة الفراغ الموجود وحكم الخريجين الذين من الصعب عليهم إيجاد الفرصة الأنسب، واعتقد بأن هذه الجزئية تحتاج إلى مقال آخر منفصل لتغطيتها من كافة جوانبها.

2- أما بالنسبة للجهات المشغلة والشركات أريد تسليط الضوء على نقطتين أساسيتين:

الأولى تتعلق بعمليات التوظيف (Recruitment process) وشكلها، فإنها لدى الكثير من الجهات أو حتى غالبيتها لا يتم ضبط عمليات التوظيف على أن تراعي القضايا الأخلاقية المتعلقة بالشفافية والعدالة أو حتى معرفة سبب الرفض، فيتم حرمان المتقدم من فرصة التعلم ومعرفة ما هي الثغرات التي يجب أن يعمل عليها في حال تقدم لنفس الوظيفة أو لوظائف مشابهة.

النقطة الثانية تتعلق بغياب برامج التدريب الداخلية (Internship Programs) التي تعمل على تمكين ودمج الخريجين الجدد وقليلي الخبرة بالعمل عن طريق الممارسة، واختبار العمل ضمن بيئات حقيقة بوجود مشرف متابع، ويمكن من خلال المتدربين أن يتم الحصول على أفضلهم وتوظيفه، أو يمكن الاستفادة من فرصة التدريب فقط والحصول على وظيفة في مكان آخر بناءً على ما تم اكتسابه خلال فترة التدريب.

وفي مثل هذا النوع من البرامج منفعة مشتركة لكل من الباحثين عن عمل والشركات وأصحاب الأعمال، وأعتقد بأنه أحد الحلول التي تساعد على ردم هذه الفجوة بين العلم الأكاديمي وسوق العمل.

3- أما الطرف الثالث المؤثر في هذه القضية فهو المنظمات والجهات التي تعمل في الشق التنموي وبناء القدرات، وكثيراً ما نرى اليوم البرامج والمشاريع التي تعمل على بناء القدرات وتأهيل الشباب، حتى أن هذه المشاريع والبرامج هي الأكثر انتشاراً حالياً، وهذا السبب يعود لاكتشاف هذه الجهات مبكراً حجم الحاجات ومدى إلحاحها وضرورة العمل لتلبيتها، وهذه نقطة مهمة، ولكن يبقى السؤال هنا هل كمية هذه المشاريع ونوعيتها كافي؟ ألا يجب أن يشمل الشق التنموي أيضاً العمل على قضايا التعليم ونوعيته وعلاقته بالجامعات بشكل أكبر وأعمق وبمشاريع أكثر تأثيراً بالمنظومات والعقليات التي تتحكم اليوم بالعملية التعليمة؟

4- بالنسبة للطرف الأخير في القضية وهو الطرف الأهم، الشباب،

 يجب أن ندرك تماماً بأن التعلم لم يعد مقتصراً على الجامعات، فهناك الكثير من مصادر التعلم مفتوحة المصدر وبجودة عالمية وعبر منصات مرنة و حديثة وسهلة الاستخدام وبكافة اللغات، وهناك الكثير من التجارب التي تكتسب من خلالها المهارات والإمكانات التي ربما نفتقدها في التعليم الأكاديمي الحالي، وربما أهمها التجارب التطوعية، التي تتيح لنا شبكة علاقات جديدة، وتساعدنا على كسر الكثير من الحواجز الاجتماعية والشخصية وتعزز المهارات الحياتية والشخصية، لذا هناك دائماً طريقة للتعلم وهناك دائماً طريقة لمواجهة التحديات.

في النهاية لا نستطيع أن نغفل النزاع الحالي وتدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي ومدى تأثيرهم بكل نواحي الحياة المحيطة بنا، تتشابك القضايا وتأثر ببعضها البعض بكل تأكيد، ولكن الحلول أيضاً تتشابك وتخلق آثار متراكمة ومهمة،  فإن الحلول الجزئية وحتى البسيط منها يساعد على تشكيل حل أكثر تأثيراً وعمقاً وشمولاً.

لذا مهما كان موقعك عند قراءة هذا المقال، سواء من القائمين على العملية التعليمية أو الجهات الحكومية أو أصحاب الأعمال والشركات أو العاملين في الشق التنموي أو حتى الباحثين عن عمل، تستطيع أن تكون جزء من الحل بكل تأكيد.

 

تم العمل على هذا المحتوى من قبل شباب وشركاء برنامج القيادات الشابة بنسخته السابعة في سوريا في إطار عمله على المسارات الثلاثة: ريادة الأعمال، بناء المجتمع والبحث عن عمل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *